الدَّهَّانُ الصغيرُ

كانَ سالمٌ فتى ذكيًا ونشيطًا، وكان كثيَر التدخلِ فيما لا يعنيه، وقد نبَّههُ والدُه وقالَ: يا بُنَيَّ، إن الناسَ سيسمونَك الطفيليَّ والحشريَّ، وهو الذي يحاولُ أن يعرفَ كلَّ شيءٍ دونَ أن يجرِّبَه. لذلكَ يا بُنَيَّ عليكَ أن تلتزمَ بآدابِ السلوكِ، فلا تحشرْ نفسَكَ في كلِّ شيءٍ. إنه أمرٌ جيدٌ أن تتعلمَ ما تراه، وأن تفهمَ كيفَ يُستعملُ، ولكن يجبُ أن تكونَ عندَك خبرةٌ وتجربةٌ. وهاتان لا يحصِّلهما الإنسانُ إلا بطولِ الملاحظةِ، وممارسةِ الأمورِ.. وهذا لا يكونُ إلا بالتدريجِ.
سمعَ سالمٌ نصيحةَ أبيه، ولكنه لم يعرْها اهتمامًا كعادتِه، لأنه كان يحشرُ نفسَه فيما لا علاقةَ له به، فتشتَّتَ اهتمامُه، ولم ينتبهْ إلى نصيحةِ أبيهِ. كان والدُ سالمٍ يعملُ دهَّانًا، ومن أجرِه كان يعيلُ عائلتَه، فكان متفانيًا في عملِه ويبذلُ جهدَه ويتقنُه، وكان الناسُ يثقون به، لذا كان يمارسُ عملَه بحريةٍ وثقةٍ ما كان يدفعُه لتركِ علبةِ الدِّهَانِ بجانبِ عملِه دونَ أن يسعى للحفاظِ عليها إذا أرادَ الصلاةَ أو الطعامَ. ذهبَ والدُ سالمٍ يومًا بصحبةِ ابنِه للعملِ على أملِ أن يتعلمَ الابنُ مهنةَ الدِّهََانِ فجلسَ الابنُ قريبًا من السلمِ الذي يعملُ والدُه عليه، والذي كان يصعدُ إلى أعلى السلمِِ وقد اصطحبَ علبةَ دهانٍ وفرشاةً كبيرةً، وكان سالمٌ يتمنى لو يساعدُ أباه ويصبحُ دهَّانًا مشهورًا مثلَه. ذهبَ الأبُ ليحضرَ بعضَ الدهانِ واغتنمَ الولدُ فرصةَ ذهابِ أبيه حتى أمسكَ سطلَ دهانٍ وفرشاةً وصعدَ السلمَ وبدأ يحاولُ الدهانَ، فغمسَ الفرشاةَ في علبةِ الدِّهَانِ، ثم مسحَ طرفًا من الحائطِ، ثم أعادَ الفرشاةَ إلى العلبةِ، وكان يتمنى أن يدهنَ بقيةَ الحائطِ، لكنه كان بعيدًا بجسمِه عما يريدُ دَهْنَه، فحاولَ الوصولَ إليه ومالَ بجسمِه وبيدِه فرشاةٌ، فانزلقَ به السلمُ ووقعَ على الأرضِ، وقد غمرَه الدِّهَانُ، وسارعَ الجيرانُ بإسعافِه فنقلوه إلى المستشفى. جاء أبوه وقد أخْبِرَ بما حصلَ فلحقَ بابنِه إلى المستشفى حزينًا وضمَّه إلى صدرِه والدموعُ تسيلُ من عينيه، وقال له: لقد نصحتُك يا بني من قبلُ، فلمْ تسمعِ النَّصيحةَ، فانظرْ ماذا حلَّ بك، وقد رحمك اللهُ ولم تُصبْ بعاهةٍ دائمةٍ. انكبَّ سالمٌ على يدِ أبيه يقبِّلُها، وراحَ يعتذرُ إليه لأنه لم يستمعْ لنصيحتِه، وقال: لقد أخطأتُ يا والدي وكان الواجبُ عليَّ أن أتعلمَ منك، وأعاهدُك على أني لن أعودَ لمخالفةِ نصائِحِك أو أوامرِك.