أطفال مشاكسون

لم تعد ظاهرة التنمُّر حكرًا على الصفوف المتوسطة أو الثانوية. فهذه المشكلة يبدو أنها وجدت طريقها إلى صفوف الصغار أيضًا.

ستايسي كولينو | Stacey Colino

يقصد بالتنمّر إيذاء الآخرين عمدًا، سواء كان الإيذاء لفظيًا (السخرية والألقاب الجارحة)، أو جسديًا (الضرب والركل)، أو قائمًا على الإقصاء الاجتماعي (تعمّد رفض إشراك الطفل في المجموعة). يذكر أن الآباء ما كانوا ليشعروا بالقلق تجاه احتمال أن يتعرض ولدهم للتنمّر إلا مع بلوغه مرحلة المراهقة. لكن الوضع اختلف اليوم بعد أن بدأت ظاهرة التنمّر تتفشى في الصفوف الابتدائية الأولى حتى في صفوف الحضانة.
بعض الأبحاث يؤكد أن التعنيف بات شائعًا أكثر في أوساط الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين الثانية والسادسة من العمر. وفي هذا السياق، توضح د. سوزان سويرير Susan Swearer، المشاركة في تأليف كتاب Bullying Prevention & Intervention (الوقاية من التنمّر وتقنيات التدخل)، «أن الأطفال الصغار باتوا يقلّدون السلوكيات العدائية التي يشاهدون أشقاءهم الأكبر سنًا يقومون بها، أو التي تطالعهم عبر شاشات التلفزة وفي ألعاب الفيديو». باختصار، تحوّل التنمّر إلى وباء متفشٍّ في دور الحضانة والمدارس. وبحسب د. ديفيد فاسلر David Fassler، أستاذ مادة الطب النفسي في جامعة فيرمونت في بورلينغتون، «يمكن للتنمر أن يخلّف آثارًا صادمة على الضحية، ما يؤدي إلى تراجع أدائه المدرسي، ويقوّض تقديره لذاته وثقته بنفسه، بل يسبب له القلق والكآبة». وهذا ما تؤكده، أيضًا، دراسة نُشرت في مجلة Archives of General Psychiatry (أرشيف الطب النفسي العام)، ولفتت إلى أن الأطفال الذين تعرّضوا للتنمّر عندما كانوا في الثامنة من العمر كانوا أكثر عرضة للإصابة باضطرابات نفسية مع بلوغهم مرحلة المراهقة أو سن الرشد.

ما حقيقة الطفل المتنمّر؟ | لا بد من الإشارة إلى وجود خيط رفيع يفصل بين الأفعال المتهورة أو الأنانية والتنمّر الحقيقي. لذا يجمع الخبراء على أن الطفل يقطع هذا الخيط عندما يقدم على إيذاء الآخرين متعمدًا وبصورة متكررة. لكن ما الذي يدفع ببعض الأطفال إلى إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي بالغير؟ يقول د. دبليو مايكل نيلسون W. Michael Nelson، المشارك في تأليف كتاب Keeping Your Cool: The Anger Management Workbook (الحفاظ على رباطة الجأش: الدليل إلى إدارة الغضب)، «غالبًا ما يعاني الأطفال المتنمّرون انخفاضًا في مستوى تقديرهم للذات. وهم على هذا لا يظهرون أي تعاطف مع الآخرين، ويشعرون بحاجة ملحة إلى السيطرة عليهم». في عمر ما قبل المدرسة، يكون الأطفال في طور إتقان المهارات الاجتماعية الأساسية، واستكشاف كيفية السيطرة على المشاعر. ومن ثم، فإن أفعالهم التي تنم عن صرامة مفرطة قد تكون مجرّد وسيلة يعتمدونها لاختبار حدود الغير. فالدكتورة سويرير تقول: «تشكّل مضايقة الأتراب وانتزاع الألعاب من بين أيديهم بالقوة جزءًا أساسيًا من مراحل نمو كل طفل». فالطفل في هذه المرحلة العمرية يتصرف بتهور، ويميل إلى مضايقة أي طفل في محيطه. ولكن مع بلوغ الأطفال صفوف الحضانة، يبدؤون بإدراك مفهوم النفوذ الاجتماعي بحسب ما تؤكد د. إليزابيث إنغلاندر Elisabeth Englander، مديرة مركز ماساشوستس للحد من العدائية Massachusetts Aggression Reduction Centre في جامعة بريدجواتر ستايت Bridgewater State University. وعلى الرغم من أن المدرسين يبذلون قصارى جهدهم للسيطرة على حالات التنمّر، إلا أنهم لن يكونوا حاضرين على الدوام لمنعها. وما يزيد الأمر صعوبة هو أن ضحايا التنمّر يميلون إلى التزام الصمت عادة مخافة أن يكون لشكواهم ردّ فعل عكسي، فتزداد جرعة الإيذاء الذي يتعرضون له.

تحدّثي إلى المدرِّسة | إذا كان طفلك يتعرض للمضايقة، فبادري إلى إعلام المسؤولين في دار الحضانة، أو المدرِّسة وإدارة المدرسة بطبيعة المشكلة. فالعديد من المدارس تعتمد اليوم بروتوكولاً خاصًا لمعالجة ظاهرة التنمّر. وتذكّري لدى تقديم الشكوى أن تكوني واضحة ودقيقة في نقل الواقعة. اذكري ما حدث بالتحديد واسم الطفل، أو أسماء الأطفال المعنيين بالمشكلة.

درّبي صغيرك على طلب المساعدة | بغض النظر عن نوع الهجوم الذي يستهدف طفلك، اعلمي أن الهجوم المضاد ليس الحل الأمثل. عوضًا عن ذلك، علّمي ابنك أن يبتعد عن المعتدي ويذهب لطلب مساعدة المعلّمة أو المشرفة. أما لتفادي التعرض للمضايقة خلال ركوب حافلة المدرسة، فاطلبي منه الجلوس دومًا مع أصدقائه، إذ من المستبعد أن يتعرض المتنمّر لطفل يوجد ضمن مجموعة.

مرِّنيه على سيناريوهات واقعية | تدرّبي مع صغيرك على ما ينبغي قوله في مواجهة طفل متنمّر أو مشاكس. ولا ضير في استخدام دمية محشوة لأداء دور المتنمّر. علّمي طفلك التحدث بنبرة حاسمة وقوية، لأن النحيب أو البكاء سيشجع المتنمّر على المضي قدمًا في تصرفه المؤذي. واقترحي على الصغير استخدام عبارات من مثل: «كف عن مضايقتي!» أو «لن أستمر في اللعب معك إن كنت ستتصرف بلؤم».

فإن تبيّن أن واحدًا أو أكثر من هذه الأعراض ينطبق على طفلك، فدعيه يتدرب على بعض تقنيات الاسترخاء، من مثل التنفس بعمق أو العد حتى 10، للسيطرة على مشاعره السلبية. وعندما ترينه يتصرف بطريقة مؤذية، اطلبي منه التوقف وأبعديه عن المكان ثم تحدثي إليه عن بدائل سلمية للتصرف في مواقف مماثلة. أما إن لم تجد جهودك نفعًا، فاطلبي من طبيب الأطفال إحالتك إلى اختصاصي في مجال الصحة النفسية لتقديم المساعدة اللازمة لطفلك.