ابن حزم الأندلسي
الفقيـــه الشاعر

اشتهرت مدينة قرطبة بحضارتها الإسلامية العريقة، فكانت أكثر مدن الأندلس تميزًا في الازدهار العلمي والحضاري، وبرز فيها العديد من العلماء والأدباء والمفكرين.

في هذه المدينة التاريخية، كانت ولادة واحدٍ من أبرز الفقهاء، وأشهر الأدباء. ففي الثلاثين من شهر رمضان المبارك، سنة (384هــ)، وفي قصر والده الوزير في (الدولة العامرية 368-399هـ)، ولد أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، ونشأ نشأة كريمة في بيت وجاهةٍ ونعمة، وتوافرت له وسائل العيش والعزّ والرفاهية. كان والده الوزير يحضر له المعلمين في قصره، فتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم مبكرًا، وأقبل على دراسة الفقه والحديث، وحفظ المتون وأشعار العرب، فنبغ منذ صغره، ولم تشغله وسائل الترف والغنى التي كانت تحوطه من كل جانب عن الإقبال على طلب العلوم، والاستزادة منها، فتكونت شخصيته العلمية منذ حداثة سنه. فكان قوي الذاكرة، سريع البديهة، شديد الاستيعاب. وكانت هذه الصفات كافيةً لأن يبرز فيما بعد، ويكون واحدًا من أبرز العلماء، وإمامًا في الفقه، وبارعًا في الجدل والمناظرة والأدب والتاريخ وغير ذلك من العلوم.
كان الإمام ابن حزم الأندلسي من المكثرين في التأليف والكتابة، وله مصنفاتٌ حافلةٌ بالعلوم الغزيرة، فلم يترك مجالاً من مجالات العلم إلا وكتب فيه، حتى بلغت مؤلفاته أكثر من 400 مجلد، وقد فقد الكثير منها. ومن أشهر ما وصل إلينا، كتابه (المحـــلّى)، فهو من أهم مصادر الفقه الإسلامي، أورد فيه أقوال من تقدَّمه ومن عاصره من الفقهاء وأصحاب المذاهب المشهورة، وكانت له شخصيته الفقهية المميزة في تمحيص الأقوال، وقوة الاستدلال، والنقد والاعتراض، والمناقشة والترجيح. وكان يقال: لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان. وأصبحت لكتابه (المحلّى) شهرة واسعة لأهميته، حتى قال عنه العز بن عبدالسلام (ت: 660هـ): «ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المحلى لابن حزم والمغني لابن قدامة».
وقد فَقِد الكثير منها، وأُتلف بعضها, وأبدى انزعاجه للتعدي على مؤلفاته وإحراقها علانيةً, فقال:

في هذه المدينة التاريخية، كانت ولادة واحدٍ من أبرز الفقهاء، وأشهر الأدباء. ففي الثلاثين من شهر رمضان المبارك، سنة (384هــ)، وفي قصر والده الوزير في (الدولة العامرية 368-399هـ)، ولد أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، ونشأ نشأة كريمة في بيت وجاهةٍ ونعمة، وتوافرت له وسائل العيش والعزّ والرفاهية. كان والده الوزير يحضر له المعلمين في قصره، فتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم مبكرًا، وأقبل على دراسة الفقه والحديث، وحفظ المتون وأشعار العرب، فنبغ منذ صغره، ولم تشغله وسائل الترف والغنى التي كانت تحوطه من كل جانب عن الإقبال على طلب العلوم، والاستزادة منها، فتكونت شخصيته العلمية منذ حداثة سنه. فكان قوي الذاكرة، سريع البديهة، شديد الاستيعاب. وكانت هذه الصفات كافيةً لأن يبرز فيما بعد، ويكون واحدًا من أبرز العلماء، وإمامًا في الفقه، وبارعًا في الجدل والمناظرة والأدب والتاريخ وغير ذلك من العلوم.
كان الإمام ابن حزم الأندلسي من المكثرين في التأليف والكتابة، وله مصنفاتٌ حافلةٌ بالعلوم الغزيرة، فلم يترك مجالاً من مجالات العلم إلا وكتب فيه، حتى بلغت مؤلفاته أكثر من 400 مجلد، وقد فقد الكثير منها. ومن أشهر ما وصل إلينا، كتابه (المحـــلّى)، فهو من أهم مصادر الفقه الإسلامي، أورد فيه أقوال من تقدَّمه ومن عاصره من الفقهاء وأصحاب المذاهب المشهورة، وكانت له شخصيته الفقهية المميزة في تمحيص الأقوال، وقوة الاستدلال، والنقد والاعتراض، والمناقشة والترجيح. وكان يقال: لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان. وأصبحت لكتابه (المحلّى) شهرة واسعة لأهميته، حتى قال عنه العز بن عبدالسلام (ت: 660هـ): «ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المحلى لابن حزم والمغني لابن قدامة».
وقد فَقِد الكثير منها، وأُتلف بعضها, وأبدى انزعاجه للتعدي على مؤلفاته وإحراقها علانيةً, فقال:

فإن تُحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي
تضمنه القرطاس بل هو في صدري
يسير معي حيث استقلت ركائبي
وينزل إن أنزل ويدفن في قبري

ومن جميل كلامه في بيان آداب المتعلم، قوله:
إذا حضرتَ مجلسَ علم فلا يكُنْ حضوركَ إلا حضور مستزيدٍ علمًا وأجرًا، لا حضور مُستغنٍ بما عندك، طالبَ عثرة تُشيّعها، أو غَريبة تُشنِّعُها، فهذه أفعال الأرذالِ الذين لا يُفلحون في العلم أبدًا. فإذا حَضَرتها على هذه النِّية فقد حصلتَ خيرًا على كل حال، فإن لم تحضُرها على هذه النِّية، فجلوسُك في مَنزلك، أرْوَحُ لبدنك، وأكرمُ لخُلقِك، وأسلَمُ لدِينك.
ومن جيّد شعره، رثاؤه لنفسه، وتصويره لحاله عند مغادرته الدنيا، وإقباله على الآخرة، يقول:

كأنك بالزوار لي قد تبــادروا
وقيل لهم أودى علي بن أحمــــــد
فيا رُبّ محزونٍ هناك وضاحكٍ
وكم أدمـــعٍ تَذري وخـــــــدٍ مخدد
عفا الله عني يوم أرحل ظاعنًا
عن الأهل محمولاً إلى ضيق ملحد
فواراحتي إن كان زادي مقدمًا
ويا نَصبـــي إن كنــــتُ لم أتزود

توفي, رحمه الله, يوم الأحد الثامن والعشرين من شهر شعبان سنة (456هـ).