العلا

تاريخ لا ينقضي جماله

تستند البلدة إلى جذور تاريخية قديمة، وتعد من أبرز المواقع التراثية
تميزًا في المملكة.

عبدالله الزهراني

بين عبير رائحة الياسمين الأخاذة وشذا عبق الماضي الجميل، التي تفوح من بيوت الحجر القديمة، ترقد قرية قديمة في شمال غرب المملكة العربية السعودية، تبهر كل زوارها بسحرها الكامن المنتشر في أزقتها الضيقة، وفوانيسها المضيئة، وجدرانها الحجرية والطينية، ونوافذها الخشبية، وطرقاتها التي تثب في أرجائها سنوات التاريخ، لتؤلف بمقوماتها العتيقة إحدى المدن الإسلامية القديمة المهمة. إنها البلدة القديمة بالعلا، والتي تعرف بالديرة، ولا تزال شاهدة بمساجدها ومنازلها وأسواقها وأسوارها حتى يومنا هذا على تاريخ عظيم لم يندثر رغم ما مرت به على امتداد مئات السنين.
تقع البلدة القديمة بمحافظة العلا شمال غربي المدينة المنورة، وتستند إلى جذور تاريخية قديمة، إذ تصفها كتب الرحالة العرب بأنها إحدى أهم المدن وأكبرها في الحجاز قديمًا بعد مكة المكرمة، كما تعد اليوم من أكثر المواقع تميزًا بالمملكة.

أزقة ضيقة | بنيت الديرة حول هضبة مرتفعة بعيدة عن الأودية والسيول، وتضم 1032 بيتًا تتخللها أزقة ضيقة، بعضها مسقوف لزيادة مساحة الطوابق العلوية للمنازل. بنيت الأدوار السفلية من البيوت بالحجارة المنقولة من موقع الخريبة الأثري. أما الأدوار العلوية فمبنية من الطوب اللبن. يخصص الدور الأول في المنازل للاستقبال والتخزين، فيما يخصص الدور الثاني للمعيشة. تم تخطيط البلدة بطريقة يسهل الدفاع عنها، حيث بنيت بيوتها متلاحقة لتشكل سورًا حول المدينة. وتضم البلدة أربعة عشر بابًا كانت تفتح صباحًا وتغلق في المساء.

سوق الدور | تعد سوق الدور, الواقعة في غرب القرية، المركز التجاري للبلدة، وفيها يعرض معظم السلع ومن بينها الماشية. وكان سكان البادية يجلبون ما لديهم من منتجات ويبيعونها في تلك السوق حسب أعراف وتقاليد وشروط متفق عليها بين أبناء القرية وأبناء القبائل الأخرى.

محطة رئيسة | كانت الديرة قرية صغيرة خلال الفترة الإسلامية المبكرة، ولطالما عرفت بأنها محطة رئيسة يتوقف بها الحجاج القادمون من الشام للتزود بالطعام والماء. وقد وردت عند الطبري باسم العلا، وزارها الرحالة ابن بطوطة في مطلع القرن الثامن الهجري، وتحدث عنها وعن أهلها قائلاً: «العلا قرية كبيرة حسنة، ولها بساتين ونخل ومياه، يقيم بها الحجاج أربعًا، يتزودون ويغتسلون ويودعون فيها ما يكون عندهم من فضل زاد، ويصطحبون معهم قدر الكفاية، وأهل هذه القرية أصحاب أمانة». كما مر بالعلا ابن شجاع الدمشقي سنة 623هـ في طريقه إلى الحج ووصفها بقوله: «مدينة العلا، وسط الوادي، نخل كثير وتمر، والمدينة صغيرة، وبها قلعة صغيرة على رأس جبل صغير، وعيون عذبة يزرع عليها، ولها أمير، يودعون بها أمتعتهم (يقصد حجاج الشام)».

قلعة موسى بن نصير | في العلا آثار إسلامية قديمة، فقد مر بها الرسول، صلى الله عليه وسلم، وصلى. ويؤكد مؤرخون أن موسى بن نصير أقام فيها قلعة تاريخية في أعلى جبل بوسط العلا.
يستطيع الزائر من أعلى القلعة مشاهدة جميع أرجاء القرية, والصاعد لها يطل على تاريخ العلا وحاضرها. كما تحيط بالقرية من الشرق والجنوب والشمال حقول ومزارع النخيل والحمضيات والفواكه، إذ كانت الغالبية العظمى من سكان القرية تزاول أعمال الزراعة، نظرًا لما تتمتع به أرض العلا من وفرة كبيرة في العيون الجوفية العذبة، التي تبلغ نحو 35 عينًا جارية أسهمت في اتساع رقعة المزارع القديمة ومضاعفة مساحة القرية.

الساعة الشمسية | من معالم العُلا الأساسية والديرة القديمة تلك الساعة الشمسية التي تأتي على شكل بناء هرمي من الحجر الصخري ويعود تاريخها إلى 800 عام تقريبًا، وتقع جنوب البلدة وتستخدم لمعرفة دخول الفصول الأربعة، وبخاصة دخول فصل الشتاء، ومواعيد توزيع حصص المياه على المزارعين وفق تنظيم دقيق ومحكم، وذلك عن طريق حجر مغروس في الأرض أمام البناء الهرمي, حيث يصل ظل الساعة الشمسية إلى هذا الحجر في اليوم الأول لدخول فصل الشتاء في 21 ديسمبر. ولا يمكن أن يصل ظل الساعة الشمسية إلى هذا الحجر مرة أخرى إلا في العام القادم وفي التاريخ نفسه. ولا تزال تستخدم حتى اليوم حيث يستمتع الكثير من الزوار والسياح بمشاهدة هذا الحدث الذي لا يتكرر إلا مرة كل عام.

جدار السبعة | على مسافة ليست ببعيدة من القرية يوجد هناك موقع سياحي مهم يطلق عليه جدار السبعة، وهو سور بُني من الحجارة المقطّعة من الجبال لصد أي هجوم قادم من الشمال، ومنع الدخول إلى العلا إلا من خلال باب تتناوب القبائل على حراسته، وبُني خلال سبعة أيام. وتؤكد بعض المعلومات أن أهالي العلا، صغارًا وكبارًا رجالاً ونساءً، شاركوا في بنائه خلال تلك الفترة الوجيزة، ويمتد من الجبل الشرقي إلى الغربي.