هواية حدّ الهوس

نانسي رونز

يحتاج الجميع إلى هواية. ولكن لماذا اختار طفلك الديناصورات؟ اكتشفي كيف يمكنك تحقيق أقصى فائدة ممكنة من افتتان طفلك البالغ بموضوع هوايته.

في الصباح، يسمع طفلي لوك Luke صوت بوق الحافلة، فيصيح بحماس: «ها هي حافلة النفايات!» ثم يسرع إلى النافذة لمراقبة العمّال. وفي طريقنا إلى دار الحضانة، نمر بموقع بناء، فيرجوني أن أفتح النافذة. أما في الليل، فيخلد إلى فراشه حيث الملاءات مزدانة برسوم جرّافات وحفّارات فيما أقرأ له قصة ما قبل النوم التي يحتوي عنوانها دائمًا على اسم مركبة من نوع ما.
لست الأم الوحيدة التي طوّر طفلها انبهارًا بأمر ما. فقد أثبتت الأبحاث أن 70% من الأطفال في عمر ما قبل المدرسة يظهرون ولعًا بشيء ما. وإذا كنت أمًا لطفلة مولعة بسندريلا، أو لصبي يعشق الديناصورات، فهذا يعني أنك تتساءلين على الأرجح عن مصدر هذا الولع أو عما قد ينتج عنه في المستقبل.

شغف عارم | بحسب دراسة شاركت فيها د. جويس م. ألكساندر Joyce M. Alexander، أستاذة علم النفس التربوي في جامعة إنديانا في بلومينغتون، يظهر 69% من الأطفال في عمر ما قبل المدرسة شغفًا معينًا يشابه أحد اهتمامات الأم أو الأب. فميغ ويلسون Meg Wilson من ساوث كارولينا مثلاً، تقول إن طفلها غاردنر Gardner ذا الأربع سنوات مولع بالأعمال التقنية، وقد صمم قناة ري باستخدام دلو الرمال. وتضيف ويلسون: «لا شك في أن هذا الولع هو نتيجة تأثره بوالده كين Ken الذي يحمل شهادة في الهندسة. فزوجي يجعل غاردنر مساعده الصغير حين يثبت الرفوف أو يصلح غرضًا ما في البيت».
لكن اهتمامات الأطفال لا تجد لها, دائمًا, مبررًا في العائلة. فقد أظهر بحث نشر في مجلة علم النفس التنموي Developmental Psychology أن واحدًا من أصل ثلاثة آباء لا يعلم ما هو مصدر ولع طفله. وفي هذا السياق، تقول د. جودي إس. ديلوش Judy S. DeLoache، أستاذة علم النفس في جامعة فيرجينيا في شارلوتسفيل Charlottesville: «لا نعلم ما يسبّب هذا الولع المفرط. قد يكون مزاج الطفل هو ما يدفعه إلى الانجذاب نحو شيء ما».

اهتمامات مختلفة وغريبة | تقول د. كايتلين مكارتني Katheleen McCartney، الخبيرة الاستشارية في مجلة Parents وعميدة كلية التربية في جامعة هارفرد Harvard Graduate School of Education: «كما ينجذب الراشدون إلى نوع معين من الموسيقا، يجد الأطفال أشياء تجذبهم». وتختلف هذه الأشياء من البدهيات، كالقراصنة والسيارات والأميرات، إلى الأشياء الأكثر ندرة. وفي هذا الإطار، تصف سوزانا غولدبرغ Suzanna Goldberg من نورث كارولينا ولع طفلها البالغ من العمر خمس سنوات بالحقائب، فتقول: «يحب آي جاي AJ أن يلعب لعبة المطار، فيدحرج حقائبنا في المنزل ويمررها عبر الكاشف الخيالي».
وبحسب د. ديلوش، فإن اهتمامات الأطفال في عمر ما قبل المدرسة تختلف لدى الصبية عما هي عليه لدى الفتيات. فالصبية يميلون إلى المركبات والآلات والأبطال الخارقين، في حين تنجذب الفتيات إلى الأزياء والدمى والحيوانات. ويساهم التسويق في هذا الاختلاف إلى حد بعيد، إذ غالبًا ما تتوجّه اللعبة بغلافها إلى أحد الجنسين دون الآخر. ويبدو أن التفضيلات المختلفة بين الجنسين تعود بشكل جزئي على الأقل إلى اختلافات بيولوجية بحسب ما توضح د. ليزا أ. سيربين Lisa A. Serbin، أستاذة مادة علم النفس في جامعة كونكورديا Condordia University في الكيبك.

مجاراة الأطفال في شغفهم | عادة ما يكون شغف الأطفال محببًا في البداية. فمن الماتع أن تري أطفالك يطورون اهتمامًا ويودون استكشاف موضوع ما في العمق. ولكن حين يعجبهم أمر ما، استعدي لوابل من الأسئلة («كم من التراب تحمل الجرافة؟) والمطالب («هل أستطيع الحصول على ثوب آخر لدمية باربي؟»). ومن الطبيعي أن تشعري عندئذ بأن صبرك ينفذ. ولكن الخبراء ينصحونك بأن تجاري طفلك في هوايته، أقله لأنها تجعله سعيدًا، فضلاً عن أنها قد تزكي فضوله الفكري بحسب ما تقول ليزا سبيغل Lisa Spiegel، منسقة مركز الإرشاد العائلي والدعم العاطفي Soho Parenting في مدينة نيويورك. فأليكسا تشابلين Alexa Chaplin من نيويورك تقول إن ابنها كامبل Campbell أبدى شغفًا بمصر القديمة وهو لا يزال في الثالثة من العمر، ما مهّد له الطريق لدراسة الأهرامات وعلوم الآثار لاحقًا.
فضلاً عن ذلك، يمكن لشغف طفلتك أن يساعدها على تطوير علاقاتها الاجتماعية. فأندريا فاشيو Andrea Facio من نورث كارولينا تقول إن طفلتها كالي Cali البالغة من العمر ثلاث سنوات تخطت خجلها أمام الراشدين عن طريق حديثها عن دماها الصغيرة. تذكّري، أيضًا، أن شغف طفلك بموضوع ما قد يسهم في توطيد العلاقات العائلية. فعن طريق دعم هذه الهواية، يكتشف الأبوان حتى الإخوة المزيد عن بعضهم بعضًا، وربما يصبح اهتمام طفلك معديًا.

تجاوز المرحلة | فيما تشاهدين طفلتك وهي تقضي ساعات في تركيب مدينة من قطع الليغو أو تحفظ أسماء أنواع القطط عن ظهر قلب، فقد تتساءلين ماذا يعني هذا الولع للمستقبل. لا تتوقعي منها أن تصبح مهندسة معمارية أو طبيبة بيطرية من الآن! فقلما يستمر هوس الأطفال في عمر ما قبل المدرسة لأكثر من عام واحد، بحسب ما توضح د. ألكساندر. وقد يتبدد هذا الولع لدى بعض الأطفال حين يلتحقون بالمدرسة الابتدائية ويتعرفون مواضيع كثيرة قد تعجبهم أكثر.
بالرغم من ذلك كله، فقد يشير شغف طفلك إلى أنه يطور مهارات معينة. فإذا كان يحب الأحجيات، فقد ينتهي به المطاف ليصبح مولعًا بالرياضيات. أما الأطفال الذين يحبون حفظ الحقائق عن ظهر قلب (مثل إحصائيات الرياضة)، فغالبًا ما يطوّرون مهارات نقدية قوية. ولعل مهمة ربط نقاط الالتقاء ستكون أسهل بعد حين، عندما يصبح طفلك كبيرًا ويضع أمامه أهداف حياته واهتماماته. ولكن الآن، دعيه يعبر عن شغفه ويتمتع بالمعرفة العشوائية، سواء أكانت عن الجسور أم الحشرات، واستمتعا معًا.