دروس نوكيا
إهمال ما لا ينبغي إهماله

كوي هوي • | تيمو فوري •

خسرت نوكيا معركة الهواتف الذكية مع أنها استحوذت على نصف حصة السوق العالمية عام 2007. يرى بعضهم أن السبب وراء ذلك يعود إلى البرمجيات، بينما يؤكد غيرهم أن السبب إنما كان الرضا والقناعة بما تحقق. ونرى نحن أن العواطف الجمعية ضمن الشركة شكلت جزءًا كبيرًا من القصة.
يعد القادة القادرون على تحديد أنماط العواطف والمشاعر الجمعية وإدارتها أكثر مقدرة على تحويل استراتيجياتهم الطموحة إلى حقيقة واقعة. وتتركز حجتنا على فكرة أن العواطف التي يشعر بها عدد كبير من الموظفين ضمن المؤسسة يمكن أن تقرر نجاح تنفيذ الاستراتيجية حتى عندما لا تجد هذه المشاعر التعبير الملائم عنها.
أتيحت لنا، مؤخرًا، الفرصة للحديث مع أولي-بيكا كالاسفو، الرئيس التنفيذي السابق لشركة نوكيا، حين كان المتحدث الرئيس في مؤتمر لكلية إنسياد للأعمال، لاستقصاء السبب الذي جعل الشركة تخسر معركة الهواتف الذكية.
حين طلبنا منه وصفًا لما حدث عند مواجهة السوق التنافسية لصناعة الاتصالات المحمولة في أثناء إدارته للشركة بين عامي 2006 و 2010، أجاب بأن تاريخ التجارة والأعمال لم يشهد قط بيئة تنافسية تغيرت بهذا القدر –بحيث لم يعد أحد يعرف ماذا يسمي الصناعة البازغة. فقد التقت آنذاك صناعات وتقنيات عدة معًا: الهاتف المحمول مع الحاسوب المحمول، والإنترنت، والوسائط المتعددة، والتطبيقات –على سبيل المثال لا الحصر.. لتندمج كلها في صناعة واحدة الآن.
في مثل تلك البيئة المتغيرة بخطى سريعة، لم يكن من المفاجئ أن يستلهم كبار المديرين في نوكيا من أفضل ممارسات تنفيذ الاستراتيجية، وكانت المرونة الاستراتيجية التي اشتهرت بها الشركة مؤثرة فعلاً فيما يتعلق بالاستحواذ وتطوير الأجهزة المحمولة، لكنه الآن، مع ميزة الإدراك المتأخر، يعترف بأن المناخ العاطفي الوجداني في المؤسسة قد تم تجاهله في تلك الحقبة المضطربة.

صمت داخلي متعدد المستويات | حل كالاسفو، الذي عمل مع نوكيا منذ عام 1980 وشغل مناصب متنوعة من بينها المدير المالي، ونائب الرئيس التنفيذي، والمدير العام للهواتف المحمولة، حل محل جورما أوليلا رئيسًا تنفيذيًا عام 2006. ومع أن الضرورة دعت إلى إيجاد شركة أكثر تكاملاً لتطوير برمجيات وعتاد وتطبيقات متكاملة للهاتف المحمول المتطور، إلا أن الروح التجارية المغامرة التي اشتهرت بها نوكيا، هيمنت بقوة واستمرت الوحدات التجارية الرئيسة في التنافس على الموارد لتطوير منتجات تلبي حاجات السوق المتنوعة. وهو يرى الآن أن الشركة لم تتنبه بما يكفي للتيارات العاطفية التي جرت تحت السطح التي تسبب بها التنافس الداخلي على الموارد لتطوير مصفوفة واسعة من نماذج الهواتف لمختلف شرائح السوق في شتى أرجاء العالم. وأدى الحرص الشديد على تعظيم مصلحة أحد الأقسام، حين يتكرر في العديد منها، إلى إلحاق الضرر دون عمد بالصالح العام للشركة. تبدو مشكلة نوكيا على الرغم من كل شيء محبطة ومشابهة لتلك التي تواجه كثيرًا من الشركات الكبرى، مثل ميكروسوفت أو سوني، التي عجزت عن تطوير منتجات مبتكرة على درجة عالية من الجودة بسرعة كافية لتضاهي منافساتها الصاعدة. ومع نمو الشركات في الحجم والثروة، يتحول كل قسم إلى مملكة قائمة بذاتها، وكل مدير إلى إمبراطور صغير، ويصبح الموظفون أكثر اهتمامًا بمكانتهم ووضعهم وترقياتهم الداخلية من التعاون بشكل فاعل مع زملائهم في الأقسام الأخرى لصنع منتجات مبتكرة دون إبطاء. تعرف هذه الظاهرة، أيضًا، بسياسة «الصومعة»، وتنتشر بصورة طبيعية وسريعة مثل الأعشاب الضارة في الحديقة. بكلمات أخرى، يغدو الكل أصغر من حاصل جمع الأجزاء.
تتفق آراء كالاسفو مع الأبحاث النوعية التي أجريناها حيث تحدثنا مرات عدة مع أكثر من خمسين من المديرين المهمين والمطلعين على بواطن الأمور في نوكيا (من بينهم كالاسفو) للحصول على رواياتهم عما كان عليه الحال حين عملوا تحت إدارته في الشركة. في الجوهر، كان الخوف هو الشعور المهيمن على المديرين في المراكز العليا والمتوسطة ضمن المؤسسة. لكنه لم ينتج بالضرورة عن الحرص على التشبث بالمنصب وتفادي الطرد، إنما كان الخوف أكثر من فقد المكانة الاجتماعية في المؤسسة. شكلت هذه المخاوف معًا مناخًا عاطفيًا جمعيًا أثر في المعلومات التي يجب تقاسمها (أو سبب الإحجام عن تقاسمها بالأحرى) في الاجتماعات. أحس المديرون في المراكز المتوسطة بالسعادة حين تمكنوا من دفع كبار المديرين إلى الاعتقاد بأن تطوير منصة برنامج التشغيل سيمبيان Symbian سوف ينجز ضمن المهلة المحددة والموعد المقرر الذي لم يكن واقعيًا – وفعلوا ذلك بسبب الخوف من خسارة المكانة الاجتماعية. لكن حقيقة الوضع ببساطة أنهم رغبوا عن إزعاجهم خوفًا من الانتقام الاجتماعي، وفضح حدودهم المقيدة، أو نقاط ضعفهم على المستويين الشخصي والمهني في الشركة، فيما يتعلق بمنتج استثمروا جميعًا طاقاتهم فيه.
نتيجة لذلك كله، خيم نوع من الصمت متعدد المستويات حيث لم يجرؤ أحد على كشف القيود المحددة لمنصة سيمبيان، والتقدم البطيء في تطوير منصات البرمجيات الأخرى الأكثر تقدمًا. وبسبب التقارير المغالية في التفاؤل، تشبث كبار المديرين في نوكيا باعتقادهم أن الشركة تسير قدمًا في منافسة شركة آبل وأجهزة آي فون التي تنتجها، مع أن الحقيقة ليست كذلك.

إخبار مديرك ما تعتقد أنه يريد سماعه | كانت لدى كبار المديرين في نوكيا بالطبع مخاوفهم التي أتت من خطط العمل التي وضعتها الشركات الأخرى مثل آبل وغوغل– من حيث زعزعة أركان الصناعات القائمة- وشعروا بالتأكيد بالضغط الذي مارسه حملة الأسهم لزيادة أرباحهم الربعية وعائدات المبيعات. ومع أن هؤلاء المديرين اعترفوا في العلن أحيانًا بالتهديدات الداهمة، إلا أن الخوف من فقدان الزخم الداخلي وتدهور المبيعات الخارجية على المدى القريب استحثهم على التشديد على جودة منتجات نوكيا وعمليات التطوير الداخلي، ومن ثم قللوا– نسبيًا- من شأن تهديدات المنافسين أمام الجمهور الداخلي والخارجي. نتيجة لذلك، تقلصت مخاوف المديرين في المراكز المتوسطة من المنافسين وخفَّ قلقهم على مستقبل الشركة. غير أن كبار المديرين مالوا، من أجل ضمان أن تحقق الشركة أهدافها على المدى القريب، وتنجح على المدى البعيد في المنافسة ضد الشركات الصاعدة، مالوا إلى ممارسة ضغوط قوية على مرؤوسيهم ومساعديهم من أجل إنتاج أكبر وأسرع، مع رفض أي جواب منهم يبدأ بكلمة «لا»، ففاقموا بذلك مخاوف هؤلاء المرؤوسين من تقديم تغذية راجعة صادقة تظهر حقيقة الأوضاع. كما خفف كبار المديرين دون قصد من حدة مخاوفهم ذاتها من الخسارة أمام المنافسين الصاعدين عبر القبول بتقارير متفائلة من المديرين في المراكز المتوسطة، ولم يضعوا صحة الأخبار السارة موضع المساءلة والتدقيق.
نتيجة لذلك، ركز المديرون في مختلف الأقسام بؤرة الاهتمام على التنافس الداخلي على الموارد والمكانة الاجتماعية الأعلى بدلاً من الخشية من المنافسين. ولاحظ الرئيس التنفيذي كالاسفو أن الرضا على ما تحقق زحف متسللاً إلى المؤسسة، ولم تُعط أهمية كافية لما كان يفعله المنافسون، وانحسر الشعور بالدافع الملح والعاجل للابتكار بطريقة أو بأخرى، بينما انكب جهد المديرين في الشركة الناجحة على الدفاع عن الإنجازات المتحققة والحفاظ عليها بدلاً من الهجوم على المنافسين من طريق تطوير منتجات جديدة جذريًا وتحمل خطر الفشل. ويعترف بأن ثقافة «لم تخترع هنا» تعززت في المؤسسة، ولا يمكن لشركة أن تحتل موقعًا رائدًا في السوق إذا تشبثت بمقاربة تجنب المخاطرة.
ذكر كالاسفو أنه كان يحضر اجتماعًا في نيويورك عام 2007 حين أعلنت شركة غوغل إطلاق نظام التشغيل أندرويد Android، وأدرك على الفور أهمية استراتيجية غوغل التي جعلت ما كان يسمى بـ«الهاتف الذكي» مجرد «نافذة سحابية». كما عرف أن برنامج التشغيل سيمبيان الذي ابتكرته نوكيا سوف يتخلف عن الركب إذا لم يتخذ إجراءات سريعة وعاجلة. غير أن بزيادة الضغوط على مختلف الأقسام من أجل العمل بسرعة أكبر وبذل مزيد من الجهد، فقد أوجد دون قصد مناخًا عاطفيًا غير صحي سيطر عليه الخوف وأدى إلى تقديم تقارير متفائلة من مديري مختلف الأقسام، ما سبب في نهاية المطاف تدهورًا سريعًا في مبيعات هواتف نوكيا الذكية والمتطورة التي اعتمدت على منصات متخلفة ومقيدة باطراد.
الاستراتيجية هي: 5% تفكير، و95% تنفيذ. تنفيذ الاستراتيجية هو: 5% تقني، و95% متعلق بالموظفين.
الآن، مع الاستفادة من ميزة الإدراك المتأخر، ما هو السبيل المختلف الذي كان على نوكيا اتباعه؟ نعتقد أن مزيدًا من الإدارة الواعية والحريصة على العمليات العاطفية الوجدانية كان سيتيح لكبار المديرين الحصول على معلومات أكثر دقة عن قدرات نوكيا في مجال البرمجيات وسرعة التطوير. ولربما شملت عناصر تحسين إدارة العمليات العاطفية الوجدانية تقاسم كبار المديرين مع مجموعة محدودة من مديري المراكز المتوسطة الرئيسين مخاوفهم بصدق من الخسارة أمام المنافسين الجدد، ودفع هذه المجموعة من المديرين إلى العمل مع كبار المديرين لمواجهة التهديدات الداهمة. ولربما أدى ذلك إلى خلق نوع صحي من الخوف من العوامل الخارجية، وقلَّص المخاوف من العوامل الداخلية التي لم تحسن التكيف مع المستجدات، وجعل من الصعب إبلاغ المرؤوس للرئيس بالأخبار السيئة التي لا يريد سماعها. من الطرق الأخرى لتضخيم الخوف الصحي من العوامل الخارجية الطلب من مديري المراكز المتوسطة استخدام منتجات المنافسين على نطاق واسع، مثلما فعلت شركة سامسونغ، من أجل ضمان تطوير فهم عميق وكاف لنقاط القوة التي تتفوق بها على منتجات نوكيا من أبعاد محددة، مثل سهولة الاستخدام. كما كان باستطاعة كبار المديرين تركيز انتباه أكبر على مخاوفهم الخاصة، وكيف أثرت على قدر سواء في الطريقة التي حددوا فيها المطالب من قسم البحث والتطوير، وفسروا التقارير المتفائلة التي وردت إليهم.
نستطيع تقديم الحجة على أن تبني ثقافة «نقل الأخبار السيئة أمر مفيد» كان سيتغلب على الخوف الجمعي الذي أثر تأثيرًا سلبيًا في إدراك الشركة لقدرتها على تطوير منتجات جديدة ورائدة دون إبطاء. لا توجد في تاريخ الشركات القوية المعاصرة حالة تنطبق عليها قصة هانز كريستيان أندرسون «ثياب الإمبراطور الجديدة» أكثر من حالة نوكيا. فقد كان قول الحقيقة فحسب كافيًا لإنقاذ الشركة. مرة أخرى، يثبت انكفاء نوكيا المؤسف وتراجعها صحة تأكيدنا أن الشركات تنمو وتكبر وتهيمن لأنها تتفوق على غيرها في مجال من المجالات. لكن حظوظها تتدهور لأنها تمتنع عن القيام بخطوات إجرائية يفرضها المنطق البدهي السليم، مثل إدارة العواطف والمشاعر الجمعية وبناء رأسمال عاطفي مؤسسي في أثناء حقب الاضطراب والفوضى (انظر كتاب كوي هوي الذي سيصدر عن مطبعة كلية هارفارد للأعمال). إن إدارة شركة كبيرة لمهمة صعبة وقد تسبب الهزيمة، لأن التعقيد المتزايد يطغى على البساطة في العمل، ومن أجل منع تدهور الأمور، ثمة حاجة إلى الحفاظ على ثقافة الصدق والتواضع والتعاون داخل المؤسسة.
تنطبق الدروس المستخلصة من قصة نوكيا على كثير من المؤسسات الناجحة والأقل نجاحًا. أما أهم وظيفة للرؤساء التنفيذيين في الشركات الناجحة فهي إلهام المجموعات المختلفة من العاملين وحشدهم لإقامة تعاون صادق ونزيه وأصيل فيما بينهم لصنع منتجات ذات قيمة ومبتكرة لزبائنهم. وبالطبع، تملك المؤسسات الكبرى والناجحة أفكارًا جديدة وموارد عديدة، وتستطيع تحمل تكاليف أفضل أشكال المشورة والنصح وأحدثها إضافة إلى آخر المعلومات (الاستخبارية) عن حال السوق. وفي كثير من الأحيان، يكون الهدف الاستراتيجي واضحًا دون لبس، لكن تحقيقه عملية أكثر تعقيدًا وصعوبة. إنه غالبًا ما يقال إن الاستراتيجية تتكون مما نسبته 5% من التفكير، و95% من التنفيذ. ونوسع نحن النطاق لنقول إن ما مقداره 5% من التنفيذ تقني، و95% متعلق بالعاملين في المؤسسة. ثم إن إدارة العواطف والمشاعر الجمعية عامل حاسم الأهمية في نجاح تنفيذ الاستراتيجية.

• أستاذ مساعد في الاستراتيجية في كلية إنسياد للأعمال، كما يدير «برنامج تنفيذ الاستراتيجية»، ضمن مجموعة «برامج تطوير قدرات المديرين التنفيذيين» في الكلية.
• أستاذ مساعد في الإدارة الاستراتيجية في جامعة آلتو.

.