مستقبل مشرق للتقنية النظيفة

على الرغم مما شهده هذا القطاع من تقلبات، فإن الاستثمار في الطاقة النظيفة يزداد نموًا ونضوجًا.

مارتن ستشتي
Martin Stuchtey

مدير في معهد ماكنرسي للأعمال والبيئة

 

جون كرييتس
Jon Creyts
مدير عام في معهد روكي مونتن

ربما يغفر للمراقبين تفكيرهم في أن ما يسمى لحظة التقنية النظيفة تحت الشمس قد انقضت. فعلى مدى العامين الماضيين، كان أداء العديد من مؤشرات أسهم التقنية النظيفة هزيلاً. لقد تلقت الطاقة الشمسية في أوروبا ضربة قوية بعد أن قررت المفوضية الأوروبية الإلغاء التدريجي لإعانات دعم الطاقة المتجددة بحلول عام 2017. وفي ألمانيا انخفض تركيب الألواح الشمسية بنحو 60% في عام 2013، وبنسبة 70% في إيطاليا. بينما تم تمويل ما يقل عن 30% من صفقات التقنية النظيفة الممولة برأس مال استثماري في مرحلة مبكرة في المملكة المتحدة.
الحق أننا شهدنا مثل هذا من قبل. فالاضطرابات التي تصيب قطاع التقنية النظيفة هي ببساطة أعراض لدورة تميز التقنيات الناشئة وهي: الإثارة، والتوقعات المبالغ فيها، ثم الاندماج الذي يعقبه في نهاية المطاف الاستقرار واستئناف النمو. والواقع أن التطورات الأساسية الأخيرة هي دلائل على وجود تحول أكثر أهمية: فقد أصبحت التقنية النظيفة مجدية تجاريًا.
إن الثقة في مستقبل قطاع التقنية النظيفة تمتد جذورها إلى الحاجة إلى حلول مستدامة للكوكب الذي أصبح يؤوي سكانًا يزدادون ثراء. فعلى مدى السنوات العشرين المقبلة، تشير التقديرات إلى أن عدد المستهلكين من المنتمين إلى الطبقة المتوسطة من المتوقع أن يرتفع إلى حوالي ثلاثة مليارات شخص، من 1.8 مليار اليوم. وسوف تتطلب أنماط حياتهم الجديدة موارد، من بينها الطاقة.
سوف تحدث هذه الزيادة في الطلب في وقت يصبح فيه اكتشاف مصادر للطاقة وموارد وتطويرها واستخراجها أمرًا أكثر تحديًا وأعلى تكلفة. فعلى مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية على سبيل المثال، تضاعف متوسط التكاليف الحقيقية لبناء بئر نفط، كما كانت الاكتشافات التعدينية الجديدة قليلة في السنوات الأخيرة على الرغم من الجهود الحثيثة والمكلفة التي تبذلها الصناعة. غير أن تكاليف الطاقة النظيفة تميل إلى الاتجاه المعاكس، ما ينضج هذه الحلول بينما أصبحت الحاجة ملحة للغاية، خصوصًا في بعض المدن الأوسع نموًا في العالم.
كان أحد التساؤلات المحورية حول مستقبل التقنية النظيفة هو ما إذا كانت في احتياج إلى دعم تنظيمي لكي تزدهر. ومن المؤكد أن سحب إعانات الدعم في أوروبا وجه للقطاع ضربة قوية. ولكن حتى مع خسارة ألمانيا وإيطاليا لمركزيهما الأول والثاني من حيث منشآت الطاقة الشمسية الجديدة، حلَّت الصين واليابان محلهما. وأما على المستوى العالمي، فقد سجلت صناعة الطاقة الشمسية نموًا سنويًا بلغ في المتوسط 57% منذ عام 2006.
كان الدعم التنظيمي فعّالاً في خلق الطلب والسماح لمصادر التوريد المتجددة ببلوغ أحجام كبيرة. ولكن هذا الدعم لم يكن دومًا يتسم بالكفاءة من الناحية الاقتصادية. وأحد الدروس المستفادة من التجربة الألمانية هو أن التغيرات المفاجئة في التنظيم ممكن لها أن تخلق تقلبات حادة وهبوطًا في الطلب غير مفيدة لصناعة لا تزال ناشئة. ولا يكمن الخطر الأكبر في العديد من الأسواق في كون إعانات الدعم وغير ذلك من أشكال الدعم سوف يصار إلى سحبها، إنما مكمن الخطر هو أن تعجز البنية التنظيمية عن التكيف مع تطور القطاع.
مع نضوج الصناعات، تضعف حجة سياسة الدعم. وتظهر في الواقع الطاقة الشمسية قادرة على نحو متزايد على البقاء من غير مساعدة تنظيمية.
تقطع الآن السوق العالمية المزدهرة شوطًا طويلاً نحو تمهيد الأرض لجميع خيارات الموارد. في السنوات الخمس الأخيرة، فشلت عشرات الشركات العاملة في مجال الطاقة الشمسية، فقط لكي تحل محلها شركات أقوى وأكثر ابتكارًا وكفاءة. وفي العام الماضي فقط، تم تركيب أكثر من ربع مجموع القدرة الضوئية الشمسية العالمية المتراكمة. وتتوقع الآن هيئة الطاقة الدولية، التي كانت متحفظة فيما يتعلق باحتمالات الطاقة الشمسية، أن تكون أكبر مصدر للطاقة في العالم بحلول عام 2050.
بالرغم من هذا، فإن المخاوف من مستقبل التقنية النظيفة جعلت تمويل المشاريع الجديدة أمرًا أكثر صعوبة. لكن الخطط الجديدة المبتكرة، مثل سندات التقنية النظيفة والتمويل من طرف ثالث، بدأت تغير الصورة. والواقع أن ملكية الطرف الثالث، حيث تقوم شركة ما بإنشاء الألواح الشمسية وصيانتها في مقابل معدل شهري محدد أو سعر ثابت لكل وحدة طاقة، دفعت معدلات تبني هذه التقنيات إلى الارتفاع في كاليفورنيا، حيث مولت أكثر من ثلثي الإنشاءات الجديدة في عامي 2012 و2013. وعلى نحو مماثل، تعمل الشراكات الجديدة مع شركات الصناعة- مثل الشراكة بين شركتي دايملر وتيسلا والحصة المسيطرة التي اشترتها شركة توتال في شركة صن باور- على خفض تكاليف تمويل الشركات الأصغر حجمًا.
من ناحية أخرى، تغدو شركات التقنية النظيفة أكثر تطورًا وإبداعًا. ثمة صناعة جديدة كاملة نشأت حول استخدام تقنية المعلومات للتقليل من استهلاك الطاقة. وتقدم بعض الشركات، مثل شركة C3 Energy، برمجيات للمرافق الكهربائية قادرة على تحليل شبكاتها الكهربائية لتحسين عمليات الشبكة واستخدام أصولها، بما يزيد من أرباحها.
لقد تم نشر معدات الشبكات الذكية على نطاق واسع في العقد الماضي، ومع إتقان الشركات استخدام البيانات الكبيرة والأدوات التحليلية، فإنها سوف تصبح أكثر أهمية. ويضع استحواذ شركة جوجل على Nest Labs مقابل 3.2 مليار دولار مثالاً جيدًا للقيمة التي تضعها الشركات على هذا النوع من البيانات.
كل هذا يضيف إلى صناعة بلغت استثماراتها وفقًا لحسابات بلومبيرغ 310 مليارات دولار في العام الماضي. وهذه ليست عينة «نخبوية»، بل إنها تشكل صناعة كثيفة الأصول في طريقها إلى التحول إلى سلعة استهلاكية.
إن التقنية النظيفة تزداد نضوجًا وتتبنى ممارسات إدارية أثبتت نجاحها في العمليات والتسويق والمبيعات والتوزيع. وتنفذ الصناعة بشكل متزايد مقاربات ضمنت النجاح في قطاعات أخرى، مثل خفض تكاليف المشتريات ونشر مبادئ اقتصادية في التصنيع. ومع استمرار صناعة التقنية النظيفة في توسيع نطاقها، فسوف تتاح فرص إضافية للتحسن.
كانت الهزة في صناعة التقنية النظيفة قوية، ولكنها كانت، أيضًا، أمرًا معتادًا في التقنيات الناشئة، وبإزالة اللاعبين الأضعف، أصبح القطاع أكثر نشاطًا وقوة. إنه قطاع عالمي يلبي حاجة عالمية متنامية. لا ريب أن صناعة التقنية النظيفة بوسعها أن تتوقع كثيرًا من الأيام المشمسة في انتظارها
..