تفسير العالم

ستيفن وينبرج الحائز
على جائزة نوبل يلجأ إلى معرفة هذا الزمان ليحيي تاريخ
العلوم الدقيق.

مراجعة كلايف كوكسون
Review by Clive Cookso

قد لا يكون اسم ستيفن وينبرج مألوفًا بقدر ستيفن هوكنج غير أنه ينظر إليه اليوم في مجال العلوم على أنه أبرز علماء الفيزياء النظرية الأحياء: إنه حائز جائزة نوبل، ولكن الأهم بعد، أنه مساهمٌ رئيس فيما يُعرف بالنموذج المعياري Standard Model الذي يجسّد النظرية المُصاغة الأكثر تكاملاً حتى الآن في القوى والجزيئات الأساسية. هذا ويُعد وينبرج كاتبًا ومتحدثًا ضليعًا في أفكار خارج مجال عمله الخاص، كما يظهر ذلك في هذا التاريخ للعلوم، خصوصًا في مجالي الفيزياء وعلوم الفلك، الممتد إلى ما يزيد على 2500 عام. أجرى وينبرج البالغ 81 عامًا من العمر تحقيقات علمية استقصائية لكتابه «تفسير العالم: اكتشاف العلم الحديث» To Explain the World: The Discovery of Modern Science، وضمنه ثبتًا بما يزيد على 25 صفحة من المراجع والمصادر في كتاب تاريخي. غير أن الفضل في تألّق الكتاب وبروزه يعود إلى مكانة الكاتب من حيث كونه واحدًا من أكبر العلماء العاملين اليوم. وعوضًا عن الأخذ بالرأي الذي يذهب إلى عدم المزج بين تواريخ العلوم والمعرفة الحديثة، كما يفعل بعضهم، يُشدّد وينبرج على أهمية الكشف عن تاريخ العلوم عند الإغريق القدامى، وعند المسلمين والأوروبيين في العصور الوسطى، وذلك من وجهة نظرٍ معاصرةٍ.
لا يخشى وينبرج أن ينزل بمكانة رموز كبيرة من أفلاطون وأرسطو إلى ديكارت. وفي ذلك يقول: «من المحتمل أن يقوم المؤرّخ الذي يُكرّس سنوات طويلة لدراسة أعمال رجل عظيم من الماضي بتعظيم إنجازات بطله». يهدف وينبرج إلى إظهار «إلى أي مدى ابتعد هؤلاء الأذكياء عن تصوّرنا الحالي للعلم،... ومدى صعوبة اكتشاف العلم الحديث، وكم هي غير واضحة ممارساته ومعاييره».
يصبّ كتاب «تفسير العالم» تركيزه بشكل أساسي على فترتين بارزتين هما: الحقبة اليونانية القديمة و«الثورة العلمية» في أوروبا بين القرنين السادس عشر والسابع عشر. تبدأ قصته في المدينة الأيونية ميليتوس في مطلع عام 500 قبل الميلاد عندما بدأ طاليس بالتفكير الجاد في الهندسة الرياضية وطبيعة المادة الذي أعلن أنها تتألف من «وحدة واحدة أساسية». وتَرِد أسماء شخصيات إغريقية كثيرة في الصفحات المئة الأولى، لتُرسي أسس ما يُعرف اليوم بالفيزياء، وعلم الفلك، والرياضيات (يتطرّق الكتاب بشكل أقل إلى علم الأحياء والطب).
مما يؤسف له، أنه في كثير من الأحيان قليلةٌ هي الكتابات الأصلية التي تبقى على حالها وتصمد، إلا في نتف متفرقة، على مرّ التاريخ، غير أن وينبرج نجح في استخلاص لُبّ هذه الأعمال على الأقل. ورغم أن علوم الإغريق أبصرت النور في المدن الصغيرة المستقلة، إلا أنها ازدهرت لاحقًا في العصر الهليني، لا سيما في عهد الإمبراطورية الرومانية. وكما يذكر وينبرج (دون أن يشرح)، بقي الإغريق في الصلب الفكري للعالم الكلاسيكي على مرّ مئات السنين.
هذا ويُنشئ وينبرج تناقضًا صارخًا بين الاتجاهات المؤسسة للعلوم آنذاك وفي يومنا هذا. وفي ذلك يكتب: «تغيب تمامًا تقريبًا لدى المفكّرين الذين ذكرتهم ميزة مهمّة للعلوم الحديثة، بدءًا من طاليس وصولاً إلى أفلاطون: لم يحاول أي واحد أن يتحقق من تقديراته، أو حتى أن يقوم بتسويقها جديًا». ويُكمل: «عند قراءة كتاباتهم، لا ينفكّ المرء يسأل نفسه «كيف لهم أن يعرفوا؟»». غُذّيت مراقبة النجوم والكواكب مثلاً بالنظريات، ولكن ليس ثمة شيء يشبه فكرة التجربة الحديثة لاختبار نظرية ما.
يجادل وينبرج أن في الجزء الإغريقي من العالم، ارتقت العلوم إلى مستويات عالية لم يتم الوصول إليها إلا في القرن السادس عشر. ويؤكد أن الألف سنة التي فصلت بين سقوط روما والثورة العلمية التي بدأت مع نيكولاس كوبرنيكوس لم تكن مجدبة فكريًا تمامًا. ولقد أولى ازدهار العلوم في الحقبة الإسلامية في العصور الوسطى احترامًا واجبًا، غير أنه لم يخصص مساحة زمنية كافية لأوروبا المسيحية قبل عصر النهضة.
يغطي القسم الثاني من الكتاب مواضيع مألوفة أكثر من مواضيع القسم الأول، أقلّه لدى هذا القارئ. ننتقل من كوبرنيكوس إلى تيخو براهي، وجوهانس كيبلر، وغاليليو غاليلي، وكريستيان هوغنس، لنصل إلى القمة مع إسحاق نيوتن بطل وينبرج. ويتبدّل النظام الشمسي، فينتقل من نموذج تقع الأرض في مركزه وتدور فيه الكواكب والشمس حولنا بأنماط دائرية تتطلّب تصحيحات معقّدة لتتطابق وملاحظات علماء الفلك، ليصل إلى نموذج تقع الشمس في مركزه تدور فيه الأرض والكواكب الأخرى في مدارات بيضاوية حول الشمس.
مما لا شك فيه أن الطريق أمام العلوم ما زال طويلاً. فبعد بضعة قرون، قد تبدو نظريات القرن الحادي والعشرين حول الكون، حتى التفسيرات الجزئية التي يقدمها نموذج وينبرج المعياري، قد تبدو في مجملها غير مُقنعة ومختلقة تمامًا كما حصل مع نظريات فلك التدوير، وانحراف المدار، ومعدّل المسار في النظام البطلمي القديم في علم الفلك.

كلايف كوكسون هو المحرر العلمي في صحيفة فايننشيال تايمز.