ستة حلول لسد النقص ودور
التقانات الجديدة في تخفيف حدة المشكلات المزمنة.
بيليتا كلارك•
Pilita Clark
مراسلة شؤون البيئةيخطط البنك الدولي لتخصيص مبلغ 5 مليارات دولار في السنة لمحاولة حل المشكلة. ويؤكد مصرف غولدمان ساكس أنها تشكل خطرًا على النمو الاقتصادي. أما مات ديمون الممثل، فقد سكب دلوًا من ماء الحمامات على رأسه لجلب الانتباه إليها.
أما المشكلة فهي الماء، المصدر الحيوي الذي ظل ردحًا من الزمن يعاني سوء الإدارة، أو عدّ الناس توافره قضية مسلمًا بها في معظم أرجاء العالم، وضاعف ازدياد عدد السكان حدة المنافسة على مصادره. أدى البحث عن حلول للموارد المائية غير المتكافئة وغير الكافية إلى تحسينات في أساليب الري، وأجهزة التحلية وإزالة الملوحة، وإعادة استخدام مياه الصرف، كما حفز تطوير تقانات مبتكرة مثل التشقيق الهيدروليكي دون ماء في صناعة الطاقة، ومزيد من الأدوات التي تقتصد في استهلاك الماء في المنزل.
لكن حجم المشكلة يبقى هائلاً. هنالك ملياران من البشر يعيشون في بلدان تعاني شحًا كبيرًا في المياه، وفقًا للبنك الدولي، الذي يتوقع أن يرتفع العدد إلى 4.6 مليار بحلول عام 2080. المعضلة صعبة على نحو خاص في الصين، والهند، وغيرهما من الاقتصادات الضخمة الناشئة، التي تعتمد عليها الشركات لتحقيق النمو المستقبلي. وهذا هو سبب تزايد تركيز مصارف مثل غولدمان ساكس بؤرة الانتباه على المشكلة.
يعيش في هذه البلدان، أيضًا، عدد كبير ما مقداره 780 مليونًا من البشر المحرومين من مياه الشرب النظيفة والآمنة، وهي ورطة تحاول جمعيات خيرية، مثل جمعية مات ديمون Water.org، تسليط الضوء عليها. ومثلما قال هذه السنة، قبل أن يقف أمام الكاميرا وهو يصب ماء المرحاض على أم رأسه: «يجب أن يتذكر أولئك الذين يعتقدون أن الأمر مقرف، مثل زوجتي، أن الماء في حمامات الغرب أنظف فعلاً من المياه التي تتاح لمعظم الناس في البلدان النامية».
حتى في المناطق الغنية، ربما يأزف الوقت لتبدو فكرة استخدام المياه العذبة لمثل هذا الغرض غريبة وشاذة. ففي كاليفورنيا التي يجتاحها الجفاف، قطعت إمدادات المياه عن مئات السكان في إيست بورترفيل طوال أشهر في هذه السنة. أما سكان هونغ كونغ فهم يستعملون مياه البحر المالحة في الحمامات منذ عقود، نظرًا لمحاولة السلطات الحفاظ على مصادر المياه العذبة النادرة. لكن البلدان الفقيرة لا تزال تكافح لإجراء مثل هذه التحسينات.
لو نجد طريقة لإنتاج الماء من الهواء الخفيف مثلاً. أو لمنع المزارعين، وهم أكبر المستهلكين للمياه، من غمر الحقول بالمياه باتباع أنظمة الري القديمة. أو شحن المياه من أماكن مثل أيسلندا (عدد سكانها 320 ألف نسمة) إلى بلدان مثل إيران (76 مليون نسمة)، حيث يعتقد المسؤولون أن من الضروري إجلاء السكان من أكثر من ثلث المحافظات الواحدة والثلاثين بسبب نقص المياه على مدى السنوات العشرين القادمة.
هذه بعض الأفكار التي بدأت تشق طريقها من لوحات الرسم والتخطيط إلى التنفيذ على أرض المصنع، وذلك مع تزايد اهتمام المستثمرين بالمشروعات التي تحافظ على مصادر المياه أو تعززها.
«نفاجأ بظهور كوكبة من أنماط مختلفة من المستثمرين، مثل شركات النفط والغاز، وأسر ثرية توظف أموالها في تقانات المياه»، كما يقول توم وايتهاوس، رئيس «منتدى الاستثمار البيئي في لندن»، وهو شركة استشارية تربط المستثمرين مع التقانات النظيفة الجديدة. ويضيف: «هنالك مشكلات هائلة تتعلق بنقص المياه في شتى أرجاء العالم يجب العثور على حلول لها فضلاً عن أن الماء يتحول الآن إلى قضية استراتيجية».
توجه شركات الطاقة الاستثمار إلى تقانات المعالجة والتنقية، بينما توسع نشاطها في المناطق التي تعاني نقصًا في الإمدادات. وهي من بين أكبر المساهمين في مبلغ مقداره 84 مليار دولار أنفقته المؤسسات في شتى أنحاء العالم منذ عام 2011 على تحسين طرق الحصول على الماء وإدارته والحفاظ عليه.
كما تنفق شركات إنتاج الأغذية والمشروبات المال من أجل تخفيض كميات المياه التي تستعملها. ففي أكتوبر، كشفت شركة نستلة عن إقامة مصنع لإنتاج الحليب في المكسيك أنفقت على تحديثه أكثر من 15 مليون دولار، ليصبح الأول من نوعه كما تؤكد: إذ لا يحتاج إلى مصادر مائية خارجية، بل يعيد استخدام الفضلات السائلة الناتجة عن تحويل الحليب إلى مسحوق (بودرة). وعلى صعيد المنزل، تجري عملية إعادة ابتكار لرشاش الماء (الدوش)، وغسالة الملابس، والمرحاض، للاقتصاد في استهلاك المياه.
نعرض فيما يأتي بعض التقانات المائية التي بدأت تظهر، حيث وصل بعضها إلى السوق، بينما يخضع غيرها للتطوير، وتبدو أخرى بعيدة الاحتمال إلى حد يستحيل تطبيقها. لكنها صممت كلها للتصدي لمشكلة مزمنة لا تبدو في الأفق أي إشارة حاسمة على إمكانية انحسارها.
إنتاج الماء من الهواء | تولد غالبية عنفات الرياح الكهرباء، لكن شركة هولندية وجدت طريقة لجعلها تنتج الماء من الهواء بدلاً من ذلك. إذ يبدو جهاز شركة Dutch Rainmaker مثل عنفة عادية، باستثناء مستودعين شبيهين بالصندوق في قاعدتها يحويان خزانًا لجمع المياه، مع نظام للتبادل الحراري والتكثيف.
تجبر العنفة الهواء على المرور عبر مبادلات حرارية، حيث يبرد بوساطة ضاغط تبريد الأمونيا، يشبه ذلك الموجودة في الثلاجة المنزلية. ومع تكثف الماء المحمول في الهواء، يشكل قطرات تجمع في الخزان. صنعت الشركة نموذجين أوليين يعملان منذ سنتين، أحدهما في هولندا والآخر في الكويت، وينتجان معًا نحو 7 آلاف لتر من الماء يوميًا، دون استخدام الكهرباء.
يقول مايك أوكونر، الرئيس التنفيذي في شركة Dutch Rainmaker: «الجهاز يعتمد مبدأ الاكتفاء الذاتي بصورة كاملة، ما يعني فعليًا عدم الحاجة إلى صيانة أو مواد أولية».
تتطلب هذه التقانة رياحًا تهب، ودرجة حرارة تبلغ 10 مئوية على أقل تقدير، ونسبة رطوبة تصل إلى نحو 01%. تقول الشركة إن هذا يعني القدرة على التشغيل معظم فصول السنة في بلدان عديدة تعاني شح المياه.
النظام ليس زهيدًا. ويقول أوكونر إن الشركة تتوقع أن يعادل سعره تقريبًا سعر آلة تقطير (تحلية) صغيرة، ويراوح بين 400 ألف دولار ومليون دولار. كما تأمل في بيعه أول مرة بحلول نهاية هذه السنة.
التشقيق الهيدروليكي دون ماء | اعتمد ازدهار الطَفَل الصفحي (صخر رسوبي صفائحي) في الولايات المتحدة على التقدم الذي تحقق في ميدان التشقيق الهيدروليكي، الذي يتطلب كميات ضخمة من الماء، تبلغ في الحالة القياسية نحو مليوني غالون أو أكثر لكل بئر. وأثار حجم المياه المطلوب مشكلات عديدة في المناطق التي تشكو من ندرة الموارد المائية. ووفقًا لدراسة نشرت في وقت مبكر من هذه السنة، فإن نحو 04% من آبار النفط والغاز التي حفرت منذ عام 2011 في الولايات المتحدة كانت في مناطق تعاني نقصًا حادًا في المياه.
أدى ذلك كله إلى بحث عن تقانة جديدة للتشقيق الهيدروليكي دون مياه، ومن الشركات الرائدة في هذا المجال الشركة الكندية Gasfrac Energy Services، التي أسست قبل ثمانية أعوام وطورت نظامًا يمزج الرمل مع البروبان الهلامي، والبوتان، وبعض المواد الهيدروكربونية الأخرى، بدلاً من الماء.
يقول جيسون مونرو، رئيس الشركة: «حفرنا أكثر من 2400 بئر. لم يقترب مخلوق من المكان، فالعمليات كلها تجري عن بعد. نحن أكثر شركات التشقيق أمانًا في العالم. وهذا أمر ضروري، لأننا نستخدم سائلاً ملتهبًا».
تعدد الشركة مجموعة شهيرة من الزبائن تشمل شركات كبرى تعمل في مجال الطاقة. ومع تعاظم الضغط على إمدادات المياه، فمن المرجح أن يحدث تحول مكثف واسع النطاق في الصناعة نحو التشقيق الهيدروليكي دون ماء.
شحن الماء | تبدو فكرة شحن الماء بكميات ضخمة من بلدان الوفرة المائية إلى المناطق الجافة حلاً منطقيًا لمشكلة شح الموارد. والآن، تزعم شركة Bruarfoss الأيسلندية، أنها على أتم الاستعداد لإيجاد صناعة تصدير عالمية جديدة لشحن الماء من شتى أرجاء العالم إلى محطات تجميع خاصة، تشبه تلك التي تتعامل مع شحنات الغاز الطبيعي المسال. وهي تشتغل الآن على خطة لنقل مياه الينابيع الجليدية من أيسلندا في ناقلات ضخمة يمكن أن تحمل شحنة تبلغ 180 ألف طن.
يقول مؤسس الشركة بيرغير فيدار هالدورسون إن الخطة لا تزال تواجه بعض التحديات، مثل عدم وجود موانئ ملائمة، ومحطات مجهزة بمرافق قادرة على التعامل مع شحنات ضخمة من المياه. «نأمل أن نتمكن من البدء بتشييد البنية التحتية هنا. في الوقت ذاته، يجب إقامة بنى تحتية أخرى في ثلاثة بلدان أو أربعة بلدان في السنوات القادمة بحيث نستطيع التوقف فيها وملء خزاناتها». ويؤكد أن الشركة تسعى إلى العمل مع مجموعات أخرى تريد بناء الناقلات الضخمة الضرورية لمثل هذا المشروع، وتجد اهتمامًا من الزبائن المحتملين في الشرق الأوسط.
مرحاض دون ماء | لم يتغير المرحاض منذ أن اخترع مع جهاز دفق الماء عام 1775. لكن مختبرات عدة تجري تجارب على مرحاض يعمل دون ماء، بفضل تمويل جزئي من مؤسسة بيل ومليندا غيتس، التي تحاول تحسين شروط الصحة العامة المتردية التي تسهم في وفاة 700 ألف طفل كل سنة جراء الإصابة بالإسهال.
من هذه المختبرات معهد الأبحاث الأمريكي RTI International الذي يطور نظام مرحاض لا يحتاج إلى الماء، فضلاً عن توليد الكهرباء أيضًا. يفصل المرحاض الفضلات إلى سوائل ومواد صلبة. ثم يعقم البول وغيره من السوائل عبر عملية كهربائية- كيميائية، ويستخدم الماء المعالج لغسل المرحاض.
تجفف كتل الفضلات الصلبة وتحول إلى كريات، ثم تحرق في جهاز يحتفظ بجزء من الحرارة ويحولها إلى كهرباء توفر الطاقة لعملية معالجة المياه.
يختبر المعهد منذ الآن نموذجًا أوليًا للنظام في ولاية غوجارات الهندية. وترغب مؤسسة غيتس في تخفيض كلفة تشغيل مثل هذه الأنظمة إلى أقل من خمسة سنتات لكل مستخدم يوميًا، ويأمل المعهد أن يلبي هذه الرغبة بفضل مساعيه في مجال تحسين التقانة.
غسالة ثياب دون ماء تقريبًا | تعمل شركة بريطانية تدعى Xeros على إحداث تغيير جذري في غسالة الثياب الآلية –الأداة المنزلية التي لم تتغير كثيرًا منذ ستين سنة- عبر تقانة تستخدم آلاف الحبيبات البلاستيكية لإزالة الأوساخ والبقع عن الثياب. تتوالف التركيبة الجزيئية للحبيبات مع المنظف لجذب الأوساخ. ويمكن استعمالها مئات المرات قبل إعادة معالجتها.
تزعم الشركة أن آلاتها توفر نسبة 07% من الماء، و05% من الطاقة، و05% من المنظف مقارنة بالغسالات التقليدية. ومنتجاتها تستخدم منذ الآن في مؤسسات التنظيف الكبرى في الولايات المتحدة، حيث يشمل الزبائن مجموعات فندقية عدة. وقد وزعت 37 آلة في الولايات المتحدة، وسبعًا في أوروبا.
تعمل الشركة، حاليًا، على نسخة منزلية من الآلة وتأمل أن تتوافر في الأسواق بنهاية عام 2016. لكن ماذا عن السعر؟ «لم تحدد التكاليف إلى الآن، لكن من المتوقع ألا تزيد على أسعار أفضل الغسالات الموجودة في السوق»، كما تؤكد.
نظام ذكي للري | يستخدم البشر أنظمة الري منذ أن بدؤوا زراعة المحاصيل. ولا يزال واحد من أقدم أشكال السقاية –الري بالغمر- مستخدمًا على نطاق واسع. وهو يشمل ضخ الماء أو تحويله إلى الحقول بحيث يتدفق في التربة بين الزرع. الأسلوب بسيط ورخيص، لكنه يتصف بعدم الكفاءة وإهدار الماء.
تعمل، حاليًا، شركات عدة على تطوير أنظمة أكثر ذكاء، منها الشركة السويسرية Plantcare، التي تؤكد أنها ابتكرت تقانة ري مؤتمتة تتيح للمزارع السقاية بدقة أكبر وهدر أقل.
يقول والتر شميت الباحث الفيزيائي الذي أسس الشركة: «يمكن إدارة (النظام) من الهاتف الذكي». تثبت في الحقل حساسات يمكن أن تكتشف أي تغيرات مهما كانت بسيطة في رطوبة التربة. ثم تنقل المعلومات لاسلكيًا إلى جهاز حاسوب، يحسب كمية المياه التي يمكن للنباتات امتصاصها.
تمدد أنابيب مياه على طول مساكب الزرع في الحقل، ويجهز كل أنبوب بصمامات يمكن فتحها وإغلاقها وفقًا لكمية المياه المطلوبة. ويمكن للبيانات المجمعة في الحاسوب أن ترسل عن طريق خدمة الرسائل القصيرة إلى هاتف ذكي، ما يتيح للمزارعين إعادة تشغيل النظام، أو تلقي الإنذارات إذا ظهرت مشكلة.
النظام مستخدم منذ الآن في عدد من البلدان الأوروبية، ويقول بعض المستخدمين إنه زاد الغلة بنسبة 03% وخفض استهلاك المياه بنسبة 05%. وقام شميت بزيارة الهند لدراسة تطوير نسخة مختصرة ومخفضة السعر.
• فازت بيليتا كلارك بجائزة السنة لأفضل قصة عن البيئة في مسابقة «جوائز الإعلام لعام 2014» التي تقيمها جمعية الصحافة الأجنبية في لندن، وذلك عن سلسلة مقالات فايننشال تايمز «عالم دون ماء». (الرسوم التوضيحية: أليكس روبنز).