صيد سمك الحريد، موسم متوارث يحتفل فيه الفرسانيون في إبريل من كل عام.
فرسان: محمد عبده يامي
تصوير: أحمد داود
فرسان الجزر الحالمة, الأرخبيل المتناثر في البحر الأحمر الذي يصل تعداده إلى أكثر من مئتي جزيرة تشتهر بمواسمها الفريدة ويأتي في مقدمتها موسم صيد أسماك الحريد، أو كما يعرف ببغاء البحر. وهو من الأسماك الوديعة ناعمة الملمس، يحتفل الفرسانيون به من مئات السنين. وهو من العادات المتأصلة، وذكره الرحالة والمؤرخ ابن المجاور في كتابه «اليمن وبعض بلاد الحجاز» قبل ست مئة عام. وأشار إلى احتفال أهالي جزيرة فرسان بموسم صيد أسماك الحريد يقابله احتفال أهالي جزيرة قماح التي تبعد عن فرسان بحوالي ستة كيلو مترات في الجنوب الغربي. تصاد هذه الأسماك بالشباك المعروف عنها حذرها الشديد، وحين تنام في الليل تنسج حول جسمها الشباك.
يأتي الحريد على شكل مجموعات ضخمة، بعضها قد يصل تعداد المجموعة الواحدة منها إلى 1000 سمكة وتعرف محليًا باسم (سواد) ويقترب من الشاطئ فيما يشبه الانتحار الجماعي.
يشعر أهالي فرسان، وصيادوها على وجه التحديد، باقتراب موعد مجيء الحريد برائحة مميزة تنبعث من الشاطئ. وتبدأ الرائحة بعد مغرب شمس اليوم الخامس عشر من الشهر القمري الذي يوافق نهاية مارس وبداية إبريل من كل عام. ويقول باحثون عن هذه الرائحة إنها تعود لبيض الشعاب المرجانية الملساء التي تطلق بيضها دفعة واحدة في ليلة من السنة. وقديمًا وقبيل صلاة الفجر، يتجه الفرسانيون بجمالهم ودوابهم لمدة خمسة أيام من السنة إلى المنطقة السنوية لتجمع الحريد وبالتحديد ساحل حصيص. ويصعد الرجال إلى المناطق المرتفعة والتلال المحيطة بالساحل لمراقبة المياه لرصد وجود أي حركة على السطح تدل على وجود مجموعة من مجموعات الحريد. ويسمي الفرسانيون مجموعة الحريد الواحدة (سواد) وجمعها (أسودة)، وبمجرد أن يلاحظ الفرسانيون السواد تتجه مجموعة من كبار الصيادين الذين تم اختيارهم مسبقًا إلى البحر للقيام بعملية تجميع الحريد، فيما يظل الجميع على الشاطئ في وضع استعداد وترقب. ثم تجمع هذه الأسودة أو المجموعات وتوضع داخل الشبك الحديدي الخاص للكبار وكذلك للأطفال. وتستمر عمليات التجميع إلى يوم المهرجان.
وقد احتفل أهالي فرسان وضيوفهم هذه السنة بتدشين المحافظ حسين بن ضيف الله الدعجاني للمهرجان الثاني عشر. وقد وجه أمير جازان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز لتحديد يومين للصيد، حيث كانت الانطلاقة الرئيسة في الحادي عشر من شهر إبريل الماضي، حيث أطلقت إشارة البدء للمسابقين كبارًا وصغارًا والذين انطلقوا باتجاه الممر المائي في مشهد مثير لجمع أكبر كمية من الحريد. في نهاية السباق تم تكريم العشرة الأوائل الفائزين من الكبار والصغار بحضور مدير عام السياحة والآثار بمنطقة جازان رستم الكبيسي، والأعيان، والمشايخ، وضيوف المهرجان من داخل المنطقة وخارجها وسط فرحة عامة من الجميع. وبعد ذلك تقوم ربات البيوت بإعداد سمك الحريد لشويه، حيث يتم تناوله مع بعض الأكلات الشعبية.