ستة حلول لسد النقص ودورمنح الدماغ «استراحة» يمكننا من تحسين الصحة النفسية والعقلية،
وإتاحة الفرصة لاحتضان الأفكار.
مانفريد كيتس دي فريس •
من بين كل الاستثمارات اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة، ليس هناك ما هو أكثر أهمية من التعليم المتميز لكل طفل. ففي اقتصاد عالمي قائم على المعرفة، يشكل التعليم الجيد أهمية بالغة في البحث عن عمل لائق، والحفاظ على صحة جيدة، وبناء مجتمعات فاعلة، وتطوير المهارات اللازمة لكي يصبح الأطفال آباء مستقلين يخوضون الحياة ليكونوا مواطنين مشاركين يضطلعون بمسؤولياتهم.
عندما تطلق حكومات العالم أهداف التنمية المستدامة في سبتمبر أيلول، فإنها سوف تضع التعليم لكل الأطفال على رأس أولوياتها، جنبًا إلى جنب مع إنهاء الفقر المدقع، والجوع، والموت لأسباب يمكن الوقاية منها وعلاجها. ولكن برغم أن العديد من الدول الفقيرة زادت من التمويل المحلي للتعليم فإن المجتمع الدولي لم يقم بواجبه حتى الآن. وتظل المساعدات في مجال التعليم متدنية ومجزأة للغاية.
في مؤتمر تمويل التنمية في يوليو تموز، سوف تسنح الفرصة للعالم، قبل تبني أهداف التنمية المستدامة، لدعم هذه الأهداف في مجال التعليم بالاستعانة بموارد حقيقية. وينبغي للأنواع الثلاثة الرئيسة من الشركاء الذين سوف يجتمعون في أديس أبابا- الحكومات والمؤسسات الخيرية وكبرى الشركات- أن يعملوا على تجميع الموارد لتمكين البلدان الفقيرة من رفع مستوى التعليم، خصوصًا في مرحلة ما قبل رياض الأطفال والمرحلة الثانوية. وقد حان الوقت لإنشاء صندوق عالمي للتعليم لضمان حصول حتى أفقر أطفال العالم على الفرصة لتلقي تعليم متميز حتى المرحلة الثانوية على الأقل.
هذه هي الطريقة التي نجحنا بها في مكافحة الملاريا والإيدز والأمراض التي يمكن تجنبها باللقاحات في السنوات الخمس عشرة السابقة. فقد تعاونت حكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج والسويد وحكومات أخرى مع مؤسسة بل وميليندا غيتس، وشركات خاصة مثل نوفارتيس، وجلاكسو سميث كلاين، وإريكسون، وسوميتومو كيميكال، وغيرها من الشركات، لضمان وصول اللقاحات المنقذة للحياة والأدوية ووسائل التشخيص إلى أفقر الفقراء. وكانت النتائج رائعة: إنقاذ الملايين من الأرواح، وتعزيز النمو الاقتصادي.
يتعين علينا الآن أن نبذل الجهد نفسه مع التعليم. فعلى الرغم من توسع القدرة على نشر التعليم الابتدائي بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، فقد ظل التقدم التحويلي في التعليم المتميز والثانوي بعيدًا عن المتناول حتى الآن. وقد يعمل، بل يجب أن يعمل، انتشار الحواسيب، والهواتف المحمولة، وتغطية النطاق العريض للإنترنت إلى المناطق الأكثر فقرًا في العالم على ضمان تمكين كل طفل في البلدان ذات الدخل المنخفض من الحصول على الكنز نفسه من المعلومات على الإنترنت والمواد التعليمية المتميزة مثلهم مثل الأطفال في البلدان مرتفعة الدخل.
إن تعزيز استخدام تقنية المعلومات والاتصالات، جنبًا إلى جنب مع تحسين القدرة على الوصول إلى الابتكارات التعليمية، والمعلمين المدربين والعاملين في مجال التعليم في القرى، وتحسين سبل قياس نتائج التعلم، من شأنه أن يمكن البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط من إنشاء أنظمة تعليم عالية التميز في غضون السنوات الخمس عشرة القادمة. في أثناء ذلك، سوف يتم ربط الطلاب في المدارس الريفية الفقيرة التي تفتقر حاليًا إلى الكتب والكهرباء والمعلمين المدربين، بشبكة الإنترنت من طريق الألواح الشمسية والنطاق العريض اللاسلكي- للوصول إلى المواد التعليمية المتميزة، والدورات التعليمية المجانية، والمدارس الأخرى، وذلك لتضييق فجوة الموارد التي كان التغلب عليها يبدو مستحيلاً حتى وقت قريب.
بل إن العالم يملك القيادة التنظيمية اللازمة لجعل هذا الهدف ممكنًا. إن الشراكة العالمية من أجل التعليم تعد تحالفًا عالميًا من حكومات ومنظمات غير حكومية يعمل منذ ما يزيد على عشر سنوات مع بلدان العالم الأكثر فقرًا لمساعدتها على رفع مستوى جودة التعليم.
مع ذلك، وعلى الرغم من النجاح الهائل الذي حققته الشراكة العالمية من أجل التعليم في تشجيع البلدان الفقيرة على تعبئة موارد ميزانياتها الخاصة لتوسيع نطاق برامجها التعليمية وجودتها، فإن البلدان الغنية لم تدعم بالقدر الكافي هذه الجهود بإغلاق فجوة التمويل التي تواجهها هذه البلدان. وإنه لينبغي دعم الشراكة العالمية من أجل التعليم للمساعدة على إنشاء صندوق عالمي حقيقي للتعليم لضمان حصول كل دولة منخفضة الدخل، تعمل على وضع استراتيجية وطنية فعّالة وتخصيص تمويل محلي، على الدعم الدولي لإنجاز أهدافها.
إن التمويل الإضافي المطلوب متواضع. تشير تقديرات منظمة اليونسكو، مؤخرًا، إلى أن «فجوة التمويل» السنوية في مجال التعليم في البلدان المنخفضة الدخل والأدنى دخلاً- لتغطية تكاليف التعليم حتى نهاية المرحلة الإعدادية- تبلغ نحو 22 مليار دولار. وقد يرفع ضمان رفع مستوى التعليم الثانوي والقدرة على الوصول إلى تقنية المعلومات والاتصالات المبلغ السنوي المطلوب إلى نحو 40 مليار دولار، مع كون تقديرات التكاليف التفصيلية لم يتم إعدادها بعد. إن مثل هذه المساعدات مطلوبة فقط إلى أن تحقق البلدان الفقيرة اليوم القدر الكافي من التقدم الاقتصادي لتغطية فاتورة التعليم بنفسها.
قد يبدو مبلغ الأربعين مليار دولار كبيرًا للغاية، ولكن فلنتأمل هذا: إن أغنى ثمانين شخصًا في العالم يملكون ثروات صافية تقدر بنحو 2 تريليون دولار. وإذا ما خصصوا 1% فقط من ثرواتهم الصافية كل عام، فإن هذا كفيل بتغطية نصف الاحتياجات المالية العالمية.
ثم إن شركات مثل فيسبوك، وجوجل، وإريكسون، وهواوي، وسامسونج، وميكروسوفت، وسيسكو، وغيرها من شركات تقنية المعلومات والاتصالات العملاقة قد تغطي عشرة مليارات دولار أخرى على الأقل نقديًا وعينيًا. وبوسع عدد قليل من الحكومات التقدمية بعد ذلك أن تغطي فجوة المليارات العشرة المتبقية. وكما رأينا في مجال تعزيز المناعة، فإن هذا هو النوع المطلوب من الشراكة لحمل أهداف التنمية المستدامة من الخطابة إلى الواقع.
يكمن جمال إنشاء صندوق عالمي جديد للتعليم في قدرته سريعًا على استقطاب الداعمين من مختلف أنحاء العالم ما إن يبدأ العمل. وسوف تكون الحكومات العربية راغبة في ضمان حصول كل الأطفال الناطقين باللغة العربية على تعليم لائق مدعوم بتقنية المعلومات والاتصالات. وسوف تساهم البرازيل والبرتغال يقينًا في ضمان استفادة الناطقين باللغة البرتغالية، وهم كثر في أفريقيا، من رفع مستوى أنظمة التعليم. وسوف تهرع شركات التقنية العالية المبتكرة إلى وضع أدواتها التعليمية أمام أطفال العالم. وسوف تعمل الجامعات المحلية على تدريب المعلمين والقرويين على كيفية تعظيم إمكانات هذه التقنيات الجديدة.
والحق أن النجوم المجتمعة في مبادرة أهداف التنمية المستدامة، وشركات تقنية المعلومات والاتصالات العملاقة، والنطاق العريض للأجهزة المحمولة، والتعليم على الإنترنت، والمؤسسات الخيرية- تنتظم لدعم هذا السيناريو. وسوف يكون الصندوق العالمي من أجل التعليم، المعلن عنه في مؤتمر التمويل والتنمية، أفضل نبأ ممكن لأطفال اليوم في كل مكان، وتدشينًا مبهرًا لمبادرة أهداف التنمية المستدامة.
• جيفري ساكس أستاذ التنمية المستدامة، وأستاذ السياسات الصحية والإدارة، ومدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا. وهو أيضًا مستشار خاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الأهداف الإنمائية للألفية.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2015.
www.project-syndicate.org.